أنا الضحية.... وأنا المعتدي...!

أنا الضحية…. وأنا المعتدي…!

 

عندما ننظر حولنا، نجد الكثيرون منا يعيشون في حياتهم دور “الضحية “، ويتكرر هذا الدور في كل مرحلة من مراحل الحياة  . فنتساءل لم نعيش دور ” الضحية” الذي لا ينتهي.  حتى يمكن، في الكثير من الأوقات  أن يتجاوزنا هذا الدور كأفراد، ليصبح ملتصقا بعائلة، بطائفة ، بجماعة أو حتى شعوبا… فنتساءل ما الذي يحصل ولماذا أحدا غير قادر على المساعدة والنجدة والعون.

ومن ناحية أخرى ، يعيش الكثيرون منا دور” المعتدي” ، الظالم والجلاد الذي لا يرحم ،لا يشفق ولا يساعد، ولا نهاية لشره ولا يعرف التسامح  والرحمة طريقا الى قلبه.

فمن ناحية،  نجد أنفسنا “الضحية” ومن ناحية أخرى ، نجد أنفسنا ” المعتدي” ….فنعيش حالة من عدم الوضوح والتخبط. ونعلق في دائرة لا نعرف طريقا للخروج منها. فنشعر بأنفسنا عاجزين، خائري القوى ومرضى.

يعتقد الكثيرون منا، أنهم وأفكارهم ومشاعرهم جزءا واحدا لا يتجزأ ولا يتفكك،  حتى يصبح من الطبيعي قولهم “هذا أنا، ماذا باستطاعتي أن أفعل، هكذا أفكر وهكذا أشعر” . فيعيش الكثيرون منا عبيدا لأفكارهم، التي من الممكن أن تكون  ألد أعداءهم. اذ لا يدرك المرء أن من شأنها أن تكون  الأثر السلبي الذي يخلق كل العقبات والصعوبات التي تواجهه في حياته ،علاقاته،  سلوكياته وقبوله لذاته .

نحن نعلم أن لدينا مكانا مخفيا ، نخافه، ندفن فيه آلآمنا وأفكارنا المؤذية . ولكن هذه الأفكار والمشاعر الدفينة لديها حياة بذاتها، وتستطيع أن تتحكم بنا بأسهل ما يكون، وتظهر متى أرادت بالشكل الذي يواءم طبيعتها،  حتى أن بامكانها أن تصبح وحوشا تسكن فينا وتدمرنا.

ان آلامنا وأفكارنا المؤذية ، الأفكار الخاطئة ، تعيش فينا منذ طفولتنا وربما من قبل ان نولد، و نبني على أساسها شخصيتنا وحياتنا، ونحن المتضررين منها.

فالشعور بألم الانتقاد يجعلنا “قاضيا” ندين أنفسنا، تجاربنا، والغير… ” لا لم تفعل هذا الأمر بالشكل الصحيح” ، “هو مخطئ”،” أنا مخطئ”، ،” كان علي القيام به بشكل آخر”، “لم يفهم ما قلت له أن يفعل”، “كم مرة علي أن اعلمه كيف عليه أن يفعل ذلك”، ” عليّ أن أكون أكثر ذكاء، والاّ سأفشل “، “أنا فاشل” الخ… فلو فعلت تسعة أشياء بالشكل الصحيح وأخطأت في العاشرة ، سيعتبرك “القاضي” فاشلا. ان هذا “القاضي” الذي اطلقنا صلاحياته في حياتنا وارتضينا كل احكامه لنا ولغيرنا، يريد أن يجعلنا والآخرين  نسير طبقا للنظام الذي يراه هو منطقيا. فنغفل عن رؤيتنا وادراكنا،عن قيمتنا وحقيقتنا،  ونقرر  أننا خائفون، وعاجزون وعديمو الجدارة .

فهو، الديان والمعلم ، ليس لديه الرحمة، الشفقة والتسامح . فهو لا يستطيع أن يشعر أو يمنح مشاعر المحبة، لأنه يذكر نفسه والآخرين دائما ،أين فشلوا أو أخطأوا. فنشعر بالذنب عندما نخطئ وبالأسى عندما يخطئ الآخرون.

ولكن ان استطعنا الوصول الى ألم الانتقاد وشفاؤه، وأدركنا أنه آن الأوان لهذا “القاضي” أن يرحل من حياتنا ،وأنه اذا استمعنا لصوت الله في قلوبنا وأدركنا أننا بشر نخطئ ونتعلم من هذه الأخطاء من أجل الأفضل لذاتنا، سنتعرف بشكل أفضل على ذاتنا ، ونسامح ونحب أنفسنا والغير، فنتحرر ونبدع، وعندما نبدع ندرك أن الحدود والحواجز التي وضعناها لذاتنا ليست الاّ فكرة خاطئة تتحكم بنا، وأننا نتمتع بامكانات غير محدودة .

كذلك ، فالفكرة الخاطئة تضعنا في دائرة من الصعب الخروج منها ، فمثلا عندما تبنى لدينا فكرة  عدم جدارتنا أو استحقاقنا لما هو نافع لحياتنا، نجذب المواقف والأشخاص الذين يعاملوننا على أننا لا نستحقه، فيمنع عنا.  وهذه المواقف والأشخاص تؤكد على هذه الفكرة . وبالتالي تصبح الفكرة أكثر قوة في كل مرة نتعرض لأي من هذه المواقف أو نلتقي أي من هؤلاء الأشخاص لأنهم يؤكدون لنا في كل مرة صحة فكرتنا بعدم الاستحقاق أوالجدارة. فتصبح هذه الفكرة كل مرة، أكثر قوة من ذي قبل ، ونجذب مواقفا وأشخاصا أسوأ من ذي قبل ليؤكدون على ذلك أكثر من ذي قبل. حتى نسلم أن ما يحصل معنا هو قدرنا الذي لا مفر منه. ونبقى في هذه  الدائرة ولا نخرج منها و نبقى في حالة حزن ،عذاب ، خوف، وعدم أمان…  ونحن في كل مرة نشعر أننا “الضحية ” التي ليس لها حولا ولا قوة أمام  هذه المواقف والأشخاص التي تعتدي عليها، في حين أننا نحن” المعتدي” الذي يجذب هذه المواقف والأشخاص لنثبت لذاتنا أن فكرتنا بعدم الاستحقاق والجدارة صحيحة. وهكذا نبقى في هذه الدائرة ، ومن الممكن أن نبقى فيها الى ما لا نهاية ، ما لم نتخذ القرار بالتغيير.

كذلك ، فإن شعورنا بالعجز مرتبط بشعورنا بالسيطرة. فعندما نفقد السيطرة، نشعر بالعجز. وعندما نشعر بالعجز، نحاول أن نسيطر على أي شيء أو أي كان، حتى لا نشعر بالعجز، وان فقدنا السيطرة، نشعر مرة أخرى بالعجز وهكذا دواليك. ” لا أستطيع أن أقوم بهذا العمل وحدي” ، ” أريد أن أفعل ذلك ، ولكنهم يمنعوني “،”  على أحدهم أن يهتم بي ، فأنا مريضة”، “هو مسؤول عن كل ما يحصل لي” … فشعورنا بالسيطرة هو الحارس الذي يقيدنا لأن علينا السيطرة على أي شيء أو أي كان، وعندما نخسرها، نشعر أننا ضعفاء ، عاجزون، ليس لدينا قوة أو حتى قيمة لذاتنا. فطالما نصر على السيطرة، سنشعر دوما بالعجز، و نبقى في نفس الدائرة.

وعندما نفكر ان الآخرين يستغلوننا، فنحن نجذب الناس لتستغلنا ، ونجذب المواقف التي تسهل للغير استغلالنا. وعندما نفكر أن علينا أن ننازع لنحصل على ما نريد في حياتنا، نجذب الأوضاع والعلاقات الصعبة وننازع فيها حتى ننجح. وعندما نخاف من الحب، نجذب الأشخاص الذين لا يعرفون ما هو الحب الى حياتنا… الخ

لذلك، إن كان يعلو صوت صرير أسنانك وأنت ترتجف خوفا، فاعلم أنك أنت من قررت ذلك وليس أحدا غيرك.

لذا فلقد آن الأوان لندرك ان أحدا لم يظلمنا وإنما نحن ظلمنا انفسنا وأن نتحمل المسؤولية.  فإن أردت أن تخرج من الدائرة التي وضعت نفسك فيها ، هناك أمورا معينة عليك أن تقوم بها.

بداية علينا أن نقف لحظة لنتأمل بحياتنا وماذا حصل فيها…. ونتحمل المسؤولية كاملة في أننا ” الضحية” و”المعتدي” حتى نتمكن من ادراك كل ما آلمنا وكل الأفكار المؤذية التي اتخذناها لنجعل حياتنا على ما هي عليه اليوم . كما يجب علينا أن نتمتع بالارادة لتغيير الواقع الذي نعيشه وأن نستثمر الوقت والجهد اللازم لتغيير حياتنا بشكل فوري ودائم. فان أردت التأجيل ، فهذا يعني أنك ما زلت عاجزا عن تحمل المسؤولية وأن الأفكار الخاطئة ، التي قررتها لحياتك ما زالت تتحكم بك وأنت عاجز عن تغييرها.

وكما قال جوزف كامبل، فان الكهف الذي تخشى دخوله يوجد فيه الكنز الذي تبحث عنه .

لذلك، عليك أن تستعد لدخول غرفك المظلمة وتبحث عن هذه الالآم والأفكار المؤذية ،من دون مقاومة . ولكن ليس من السهل الدخول الى هذه الغرف من دون مقاومة، لذلك ابكي ان شعرت أنك تريد أن تبكي ، وتحرك كما تريد، ان شعرت بأن هذا ما تريده ، ولكن لا تخرج من هذه العملية قبل أن تجد هذه الأفكار الخاطئة  وتفهمها ، وتدركها ، وتعرف ما الذي فعلته في حياتك، وكيف جعلتك “ضحية” و”معتديا” على ذاتك،  وتقبلها كما هي من دون أن توصفها باطلاقك الأحكام عليها، وأن تسامحها لما فعلت في حياتك، وأن تسامح نفسك لما اقترفته بحق نفسك ، وارفق بها ، لتتحرر فتستطيع أن تغيرها، وحين  تغيرها فقط ، تدرك أن وعيك قد نما أكثر، وان هذا التغيير ينقلنا  من الحالة التي كانت آلآمنا وأفكارنا المؤذية، الأفكار الخاطئة،  تتحكم بنا الى حالة نشعر فيها بقيمتنا ، وندرك حقيقة أنفسنا ونعبر عنها من دون أي تشويش ونكون على أتم الاستعداد لحياة أفضل ، مليئة بالفرح ، الحب، النجاح ، الفرص والايجابية.

 

©2021 HopeWellBeing. All Right Reserved